الورّاق حنيشل

بسم الله الرحمن الرحيم

المشتاق إلى سيرة "حنيشل"
الورّاق




جمع وإعداد
أبي ثابت أحمد بن عبدالله بن حنيشل الحنيشل




مقدمة


      الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين وقدوة للناس أجمعين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين وبعد ،،،

      يجيء الأفذاذ لهذه الدنيا ويذهبون كغيرهم من الناس لكن تبقى آثارهم يهتدي بها من خلفهم ويستنيرون بنورهم وينهلون من علمهم ويقتفون آثارهم ...

      فهؤلاء الأفذاذ النجباء لم تكن أنفسهم هي همهم الأول وشغلهم الشاغل بل كانت هداية الناس وتعليمهم وتهيئتهم للرقي بأمتهم وصناعة الرجال هي دأبهم وهدفهم من هذه الدنيا بعد رضى الله عزوجل .

     ومن هؤلاء -نحسبه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً-  الوالد حنيشل بن عبدالله الحنيشل الخويطر الدعمي الخالدي المتوفى في شعبان 1389 للهجرة النبوية الشريفة والذي عاش في عصر يغلب عليه الفقر ، وفي بلاد تمزقها الحروب وينعدم فيها الاستقرار ، وكانت اهتمامات الناس في ذلك الوقت تنصب في البحث عن المعيشة وطلب الرزق .. لكن لم يثنه ذلك عن تغذية الأرواح ومسابقة أهل الفضل في تعليم الناس وإرشادهم ...  ولعلمه بذلك أنشأ مكتبة تجارية علمية نادرة واكتفى بها عن ما سواها من الأعمال ليقوم بخدمة العلم من هذه الناحية والتي لم تكن مخدومة في ذلك الوقت لقلة عائداتها المالية ولصعوبة العمل فيها فهي تستوجب علماً بمحتواها وفهماً بطريقة عرضها على طالبها وهم العلماء .

غفر الله له ورحمه وأسكنه فسيح جناته ووالديه وذريته والمسلمين أجمعين



                                


                                                             وكتبه
                                                    أحمد بن عبدالله الحنيشل
                                                 في 22 ربيع الثاني 1427هـ






 
سيرة وترجمة الورّاق "حنيشل"


نسبه ونشأته :

      هو حنيشل بن عبد الله بن عبد العزيز بن عبدالرحمن الحنيشل الخويطر الدعمي الخالدي ولد في مدينة بريدة بمنطقة القصيم في العقد الثاني من القرن الهجري الماضي عام1313هـ تقريبا . أمه رقية العثمان الخضير وله قرابة مع الفوزان السابق نشأ في بريدة في قبة رشيد بالمجلس في منزل والده "عبد الله" وتربى في كنفه وكانت طفولته في عصر مضطرب يضطرم بنيران الفتن والخلافات فلم يكن قد التم شمل الجزيرة بعد، فالحالة السياسية والاقتصادية شغلت أكثر الناس عن طلب العلم بالانشغال بأسباب معيشتهم ، دخل مدارس الكتاتيب المنتشرة في ذلك الوقت حيث التحق بمدرسة المربي صالح الصقعبي رحمه الله وهي المدرسة التي ذكر الشيخ حمد الجاسر أنه درس بها. تعلم القراءة والكتابة ثم حفظ القرآن حتى إذا وصل للسن السابع عشر من عمره حج والده في سنة 1330هـ تقريبا وفي عودته من مكة بنهاية جبال الحجاز وقرب سهول نجد من طريق حاج جنوب العراق سقط من ناقته فمات فصلى عليه رفاقه ودفنوه في مكانه فلما وصلت القافلة إلى بريدة جاء ابنه حنيشل ليستقبل والده فسأل مقدمهم عن والده فتعلل له بأنه مريض وهو في مؤخرة القافلة فبدأ يسأل حتى جاءه الخبر بوفاة والده رحمه الله رحمة واسعة .


صفاته الخلقية والخُلقية :

      كان نحيل الجسم طويلاً يميل إلى السمرة طويل الوجه ذو لحية خفيفة بيضاء تميل إلى الرمادي متوسط القامة ضعيف البنية يشكو من الربو وكان متلثما كثيرا بالشماغ خوفا من الغبار ، سريعاً في كلماته حــاداً في نظراته وكان مستمعا متكلما سمحا إذا جلس متوسط في التعامل ، كان يقوم الليل هو وزوجته كثيرا وكان صاحب فكاهة ودعابة وكان حاداً في بعض الأمور عندما يكون الأمر يستدعي الاهتمام .





أبناؤه وبناته وزوجاته :

      كان أغلب نسله إناث وأول ما رزق بعبدالله لكنه توفى صغيرا وبه يكنى ثم رزق بسبع بنات ثم بعبدالعزيز ثم عبدالله ثم صالح ثم إبراهيم لكن صالح وإبراهيم توفوا صغاراً في الرياض وله زوجتان .





طلبه للعلم :

      بدأ بطلب العلم منذ صغره وقد تعلم على يد ابن رزقان والوهيبي في الكتاتيب"وكانت ظروف المعيشة في تلك الحقبة صعبة جدا حيث كانت البلاد تمزقها الحروب وفي هذه الظروف الصعبة أصبح بين طلب المعيشة وطلب العلم فأخذ عن عامة علماء بلده فأخذ عن الشيخ إبراهيم بن حمد الجاسر قاضي بريدة وعنيزة في العقدين الثاني والثالث من القرن الهجري المنصرم ولازم حلقته التي كانت تعقد في مسجد ناصر جنوب جامع بريدة الكبير حتى عدّ من تلاميذه ثم رحل إلى الكويت وأخذ عن عالمها الشيخ عبدالله بن خلف الدحيان ولازمه مدة وكان بينهما صحبة ومداعبة .
      يقول الدكتور عبدالله الرميان : وقد اطلعت على رسالة بعثت من بريدة إلى الشيخ عبدالله الدحيان سنة 1339هـ ضمنت سلام حنيشل لشيخه عبدالله الدحيان وسؤاله عنه .
     لم يطل مقام حنيشل في الكويت حيث عاد إلى بريدة والتحق رغم كبر سنه بحلقة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد عندما تولى قضاء بريدة سنة 1363هـ.




مشايخه :

درس على عدّة مشايخ ومنهم على سبيل المثال:
1.    محمد بن إبراهيم رحمه الله (مفتي عام المملكة)
2.    عبد الله بن حميد رحمه الله
3.    درس على الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ رحمه الله
4.    الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله
5.    الشيخ عبدالله بن خلف الدحيان (عالم الكويت)
6.    الشيخ ابن سليم
7.    الشيخ إبراهيم بن حمد الجاسر قاضي بريدة وعنيزة
8.    عبد الله بن عقيل حفظه الله (رئيس مجلس القضاء الأعلى سابقا)

أعماله :

1.     عمل في بقاله في بريدة في قبة رشيد في آخر المجلس يبيع فيها الأرزاق شاي وسكر وقريض وهيل وقهوة ورز وليمون  ...الخ.يجلس فيه غالب نهاره
2.     عمل بالفلاحة باللسيب لمده ستة أشهر في فلاحة الربيعان
3.     كلفه بعض الأئمة في بريدة بالنيابة عنه في الصلاة أحيانا
4.     أول عمل له بالرياض بقالة في المقيبرة أرزاق
5.     عمل مدرسا عند مدرسه ابن سليم وكان راتبه جنيه ذهب
6.     درّس عام 1368هـ في أول مدرسة ابتدائية نظامية افتتحت في الرياض المدرسة  الأهلية  بالبطحاء في مدى الثميري يدرس ماده القران وكان مديرها آنذاك الشيخ عبدالله بن إبراهيم السليم المتوفى سنة 1416هـ لكنه بقي في التدريس أشهراً ثم استقال لأسباب خاصة
7.     ثم عمل بالأقمشة النسائية بقيصريه الأصمخ والسوق الطويل تحت قصر الحكم"الصفاقات"وعمل بها حوالي ست سنوات من 66 هجرية حتى 72 هجرية
8.     وكان يكتب عزائم بالزعفران ويقرأ على المرضى بالرقى الشرعية
9.     افتتح المكتبة
10.                      سافر للكويت لطلب الرزق والتجارة وبقي مدة طويلة
11.مدرّس حلقات وإمام مسجد في الكويت (وكان محبوبا لدى الكويتيين الذين يعرفهم)



انتقاله للرياض :


كانوا سابقا يتعزبون في البر للاستئناس ولجمع الأعلاف لمواشيهم فذهب حنيشل مرة للشرق وكان الربيع قليل فرجع إلى الغرب فيقال أنه صادفه شخص وقال" أحد يبقل وأحد يتمنى الشنينة حنا عجزين نطلع من باب الجردة وحنيشل ياما راح للشرق ياما راح للغرب" فيقال أنه عين من هذا الرجل فمرض مرضا أقعده في البيت ولم يكن هناك أطباء فأشار عليه أخيه عبدالرحمن بالذهاب إلى الرياض وأن يأخذ معه ابنه عبدالعزيز للعلاج هناك فقام بتسجيل أسمائهم في المواصلات وطلبوا منهم انتظار اكتمال الركاب فلما جاء الوقت أتوا بدابة وأركبوه عليها لإيصاله للسيارة فلما تجاوزوا الباب الشرقي لبريدة "الدروازة" استعاد مباشرة صحته فرجع لبيته ، فلما دخل الدروازة عاد إليه مرضه فعرف أنها عين فذهب إلى الرياض عام 1366هـ وعالج في مستشفى الانجاوي في نهاية شارع الثميري وسكن عند أخيه محمد وكان إذا أراد زيارة بريدة لا يدخلها وإنما يبقى حواليها في الخبوب .

وبعد علاجه  وكان مريضا بالربو نظر في أسواق الرياض في بيعها وشرائها فأعجبه أن يأتي بأهله إلى الرياض وينخرط في أعمال التجارة في الرياض وفعلا نفذ هذه الفكرة حيث أحضر أهله في عام 1367هـ وسكنوا بدخنة ثم معكال ثم البطحاء ثم حيالة الحمود قريباً من نخل الريس وفتح دكانا لبيع الأقمشة واستمر فيه حتى عام 1375هـ وفي تلك السنة حول نشاطه إلى بيع الكتب  .














المكتبة :

       كان حنيشل رحمه الله طالباً للعلم وطلبه للعلم وحبه له ومعرفته بالكتب ومؤلفيها وطبعاتها واتصاله بالعلماء وطلاب العلم وحرصه على القراءة والمطالعة مع براعته في حبك الكتب وتجليدها والاعتناء بها أعظم الأثر في توجهه لهذا العمل ففي عام 1375هـ قرر فتح المكتبة وهنا يروي الأستاذ إبراهيم بن عبدالعزيز المعارك ويقول - أرجو الله أن يرحم والدي ووالدك والشيخ عمر والمسلمين أجمعين –هذه رواية عن والدي عبدالعزيز المعارك إمام مسجد البرقية وقتها يقول فيها : أن الشيخ حنيشل وصل إلى الرياض من فتره طويلة وقد جاء من بريدة معدما وقال إن أحواله المادية تحتاج إلى مسانده وانه من الورّاقين ويقوم بحبك وتجليد المصاحف والكتب ويبيعها إضافة لهوايته في القراءة والاقتناء لكنه لايملك من المال ما يسد رمقه علاوة على ما ينمّي هوايته تلك فأخذته إلى فضيلة الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالرياض آنذاك وشرحت له حالته ورغبته في العمل بدكان تختص بالوراقة وقلت إن هذا رجل عابد زاهد ويرغب تسليفه 1800 ريال ليفتح محلاً فأعطاه الشيخ عمر المبلغ ، وفعلا بدأ عمله وفتح الدكان المذكور في الزاوية الغربية الشمالية من دخنة  وبدأ بحبك وبيع والكتب وعمل بذلك وبعد ثلاث سنوات كانت أموره متيسرة واستطاع أن يجمع مبلغاً لا بأس به ورأى أن يرد 3000 ريال على أساس أن هذه البضاعة قد ربحت، فذهب معي إلى الشيخ عمر وبعد أن شكره على مساعدته له سلّم له المبلغ فرفض الشيخ عمر استلام المبلغ بدعوى أنه قدمه له كمساعدة وليس كقرض أو بضاعة فأصر الأول على ردها وعندما لم يتمكن من إقناعه تركها الشيخ عمر للشيخ عبدالعزيز المعارك ليقدمها لشخص آخر محتاج لها مثل(حنيشل) سابقا . أ هـ

     "مكتبة التسهيل" هذا اسم المكتبة التي لم تسمّ به إلا قبل وفاته بأيام حيث كانت طول تلك الفترة الماضية بدون اسم تقع المكتبة بشارع دخنة شرق قصر الحكم حالياً وكان الدكان مبنى من الطين والغبار  يملؤه كثيراً علما أنه يتعبه جداً وكانت الحشرات والفئران تؤذيه .
      كان حنيشل رحمه الله يركز في مكتبته على الكتب القيّمة والغير موجودة في الرياض وكان في بداية الأمر يجمع الكتب من هنا وهناك داخل الرياض ثم اتجه لمصر والشام ولبنان وممن تعامل معه في بيروت مطابع الساقيــــــة

و دار الكتاب العربي ، وتردد على هذه الدول كثيراً وأصبح يستورد الكتب منها ويقوم أحياناً بالتوصية وأحياناً يطلب طباعتها على حسابه ، وكان يجلس مايقارب الشهر هناك وجلس مرة في لبنان مدة سنة للبحث عن الكتب وبعض العلماء وكذلك في مصر وكانت كتب مصر تأتي عن طريق البحر أما الشام ولبنان فعن طريق البر ، وترسل دور النشر الطرود بصناديق خشب وكان يرسلها على مكتب صالح الجربوع رحمه الله بدمشق ثم يشحنها إلى الرياض .
       كان يعمل بالمخطوطات وكان يشترى الكتب المستعملة والمكتبات الموروثة حتى اشتهرت المكتبة وكثر روادها وجلّهم من العلماء والأدباء وطلاب العلم وأهل المعرفة وكان رحمه الله يعيش يومه بين المجلدات ويقضي ساعاته بتقليب الصفحات فهذا كتاب حديث وآخر في الفقه وكتاب في الأدب أو الشعر ومجموعة في التاريخ والسير ، استمر رحمه الله في هذا العمل وقضى فيه بقية حياته حتى وافته المنية في شهر شعبان من عام 1389هـ فيكون عمله في هذه المكتبة أربعة عشر سنة في الفترة «1375هـ - 1389هـ» .
         كان يوزع الكتب على بعض المكتبات في الرياض ومنها مكتبة الرشد "استمر في المكتبة لمدة طويلة ولكنه لم يجد مساعد له في العمل إلا أن الأخ عبدالعزيز الصالح الرشودي جلس معه مدة طويلة وعمل معه في المكتبة واستعان بصبي يماني ينظف الكتب"وكان يتعامل مع حباكين في الرياض والشام لحباكة الكتب للزبائن وكان يصفّ الكتب قبل حباكتها ولا يتكلف في البيع مع الزبون .
         كان يحتفظ بالكتب في المكتبة ، والفائض من الكتب يتم تخزينه في البيت ويرصّ رصّاً بصناديق خشب .
         طلبت منه وزارة الإعلام تصريح للمكتبة في آخر حياته فقال لهم ماذا تريدون مني ؟ ، أنا لا أبيع إلا المسموح به !! فقالوا هذا لا يضرك مجرد روتين ولا هناك خسارة عليك لا مال ولا تعب فتعاون المسئول (مدير المطبوعات) مع الوالد لاستخراج الرخصة وفعلاً ذهب الوالد لهم وقدّم الأوراق واختار الاسم وهو "مكتبة التسهيل" فقالوا له اذهب وراجعنا بعدة عدة أيام لاستلام الرخصة لكنه توفي ولم يستلم الرخصة .
       وكان آخر ما استورده كمية من الكتب حمل سيارة كاملة بمبلغ  60,000 ريال من بيروت ، فجاءت الإرسالية فنزلت بالباخرة في جدة واتصلوا بنا بالرياض بعد وفاته وأفادوا أنه وصلت كتب ولا بد من فسح للكتب لترخيصها من الميناء يقول العم عبدالعزيز فأخذت البيان لإدارة المطبوعات بالوزارة لفسح الكتب فقال لي أحدهم أين حنيشل ؟؟ له عندنا رخصة فتح مكتبة لم يستلمها !! فقلت له أنه يطلبك الحل فاسترجع وتفاجأ بذلك ... ويقول العم عبدالعزيز لم نأخذ رخصة

 المكتبة تلك لأننا لم نكن نرغب في إكمال العمل فيها للأسف ،  ثم أمر أحد الموظفين بسرعة استخراج فسح لهذه الكتب ، فقال له الموظف تحتاج هذه الكتب لمدة طويلة لفرزها والاستعلام عنها ثم فسحها .. لكنه قال له على مسئوليتي أعطه الفسح فذلك الرجل رحمه الله لا يأتي منه إلا الخير ولا يأتي إلا بكتب معروفة ومفسوحة فأعطاه الفسح ، هذه كانت آخر البضاعة وردت للمكتبة .

     وكان يقصده في مكتبته كثير من طلبة العلم والعلماء لشراء الكتب ومنهم على سبيل المثال :
الشيخ صالح بن محمد اللحيدان حفظه الله (رئيس مجلس القضاء الأعلى حالياً)
الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ  حفظه الله (مفتي عام المملكة حالياً)
سويلــــــم بن محمــــــــــد السويـــــلم وكــــــــان يعمـــــل مع الشيــــــخ محمـــــــد بن إبراهيــــــــم (مفتي عام المملكة )رحمه الله
الشيخ زهير الشاويش حفظه الله (المحقق المعروف وصاحب المكتب الإسلامي في بيروت)
الشيخ سعد بن عبدالله الجنيدل (المؤرخ والجغرافي المعروف)
إبراهيم بن عثمان رحمه الله
محمد بن عبداللطيف رحمه الله
الضبيعي وكان طالب علم
عبدالمحسن أبابطين (صاحب المكتبة الأهلية)
سعد بن قاسم وقال عنه (أنه صاحب مكتبة نادرة)
ابن مترك (يعمل في الحرم المكي)
وابن إدريس (الأديب)
عبدالرحمن المعتق رحمه الله وكان هذا ممن يجمع الكتب

        
      وبحكم عمل الوالد حنيشل في المكتبة وسفره لتلك البلاد للاستيراد وعلاقاته مع طلبة العلم والعلماء كانوا يستفيدون منه في مراسلاتهم لبعض ومن ذلك مايذكر الأستاذ راشد بن محمد بن عساكر أنه كانت هناك مراسلات للشيخ إبراهيم بن عيسى رحمه الله مع الشيخ عبدالله بن خلف الدحيان في الكويت وكانت المراسلات عن طريق حنيشل غفر الله له .
      وبعد وفاة الوالد حنيشل رحمه الله اتفق الورثة على بيع المكتبة يقول العم عبدالعزيز : أخذت وكالة شفهية من الورثة على أن أقوم بالتصرف بالمكتبة

فذهبت لفتح الدكان لبيعه بأي شكل من الأشكال جملة أو تجزئة وطبعاً ليس عندي خلفية بالأسعار ولا غيره . ومن حسن الحظ جاءني الشيخ صالح اللحيدان وكان وقتها رئيس المحكمة بالرياض فسلم عليّ وعرّفني بنفسه وسألني من أكون فعرفته بنفسي فقال وش النية ؟؟ فقلت له لا أدري فأشار عليّ أن يقوم الشيخ بنفسه بعمل دعاية لبيع المكتبة ويوزعها على المعاهد والمحاكم والمشايخ ..الخ
       ويقام مزاد علني عليها في ساحة البيع بدخنة محل المحاكم حالياً وأخبرني أن هؤلاء المشايخ إذا أرادوا الشراء منك سيطالبونك بالوكالة فلذلك تأتيني غداً ومعك شهود اثنين لعمل الوكالة فأعجبني ذلك وأغلقت المكتبة وأشار  عليّ أن أبحث عن شخص يقوم بالحراج على هذه الكتب وقال إن أردتم أن يكون البيع بطريقة الحراج على نسخة معينة وتباع بقية النسخ على هذا السعر أو بالحراج على كل نسخة على حدة وفعلاً اتفقنا مع دلاّل اسمه قويفل رحمة الله عليه واستعنت بالأخ عبدالعزيز الرشودي حيث أنه كان عنده معلومات عن المكتبة ولازم الوالد حنيشل مدة ، فاجتمع الناس والذين لهم اهتمام في هذا المجال حتى من خارج الرياض أيضاً فبعنا بطريقة الحراج الأولى ولكنهم أصبحوا لا يزيدون لأنهم سيأخذون نسخة بنفس سعر الحراج لكن فطنا لذلك وأصبحنا نبيع كل نسخة بحراج مستقل ثم ذهبت أن وأتى أخي عبدالله لإكمال البيع ، ويشير العم عبدالعزيز أنه لم يكن أحد في الرياض في ذلك الوقت إلا واشترى من المكتبة لا طالب علم ولا غيره ويقول أنه أيضا في ذلك الوقت كان هناك رغبة من الناس في شراء الكتب حتى كانت ظاهرة منتشرة .
        يقول أبو محمد عبدالعزيز الرشودي : ونحن في أثناء بيع المكتبة جاءنا عبدالرحمن آل الشيخ "أبو حصاة" وقال أعطوني الجزء الرابع من كتاب الشرح الكبير الذي استعاره مني والدكم فبحثنا عنه فلم نجده وقلنا له نعوضك عنه بأي شيء ثمنا أو كتابا آخر فقال إنما أريد كتابي خاصة ولا أريد غيره فحاولنا معه ولكن بدون فائدة وأخبرناه أنه لا يوجد في المكتبة ، ثم قابلته مرة أخرى في المسجد الحرام وعرّفته أنني ابن حنيشل وأريد أن أرد عليه عوض الكتاب فلم يرضى إلا بالكتاب نفسه وقلت له نعطيك نسخة كاملة فرفض ...
ويقول الوالد والعم عبدالعزيز أننا تأسفنا على إقفال المكتبة ولو استمرينا فيها لكان أفضل وللأسف بعنا – ونحن لاعلم لنا بأهمية الكتب – بعض الكتب بأقل الأسعار ونتمنى من الله عزوجل أن يهيئ لها من يقوم بإعادة فتحها وإحياء ذكر والدنا عليه رحمة الله .



أصدقاؤه :

          يُذكر أن من أعز  أصدقاءه في بريدة الضبي وسعد العامر وجاسر بن عبدالكريم الجاسر -ولهما علاقة تجارية- وكان الشيخ ابن باز من أصدقاءه في الرياض، وكان حنيشل يزور ابن باز  شبه يومياً فترة الضحى ويقال أن ابن باز عليه رحمة الله كان يحضر في بيت الوالد حنيشل ، والعبيكان كان صديقا للوالد أيضاً في الرياض وكذلك أبانمي وابن عسكر وكان لهم جلسات بعد المغرب والعشاء يتسامرون فيها وينهون جلستهم بفصل من الذكر يتلوه الوالد حنيشل رحمه الله، وكانت الجلسة  كل يوم عند أحدهم ، وكان حنيشل له زيارات مع الشيخ محمد بن إبراهيم وعمر بن حسن رحمة الله عليهم أجمعين ..


قيل عنه :

جريدة الجزيرة 19/7/1419هـ حنيشل (من أوائل الوراقين في الرياض ( للكاتب محمد بن عبدالرزاق القشعمي

يروي الأستاذ سعد بن عبدالله الجنيدل ضمن سيرته الذاتية وإبان إقامته في كنف والده بالشعراء بالقرب من الدوادمي يساعده في تجارته في المواد الغذائية، إنه كان يأتي إلى الرياض قبل ستين عاما أو تزيد ليستلم البضاعة من التجار لنقلها إلى حيث والده بالشعراء، وانه عندما يصل إلى الرياض وقبل أن يذهب إلى التجار ويذهب إلى شخص يدعى(حنيشل) صاحب دكان صغير في دخنة, ودخنة تعد حينئذ وسط مدينة الرياض (مقر مجمع المحاكم حاليا)، وكان ابن حنيشل هذا يبيع الكتب وبعض الأرزاق الأخرى, ويعتقد وقتها انه الوحيد الذي يتعامل ببيع الكتب في الرياض
      ... نعود إلى طيب الذكر (حنيشل) هذا الورّاق الذي لم أسمع به من قبل رواية الجنيدل، يجلس في باب دكانه ليرمم كتابا أو يجلده (يحبكه) وإذا سأله سعد عن كتاب معين قام إلى داخل الدكان ليستدني الكتاب المطلوب وينفض عنه الغبار ويمسحه بكمه، ويعدد مزاياه وقيمته الكبيرة، ويذكر انه لا يوجد منه

سوى نسخة واحدة وانه احضرها من دمشق أو القاهرة، ويطلب فيه مبلغا كبيرا فتبدأ المساومة بينهما وتنتهي باقتناء ابن جنيدل له, سألت الكثير عن (حنيشل) بدءاً بعلامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر، وأستاذنا الفاضل عبدالكريم الجهيمان والشيخ عبدالله بن خميس وكلهم أنكر وجوده ومعرفته  ، وعندما عدت للأستاذ الجنيدل قال: إنهم وقتها يطلبون العلم في الطائف أو مكة المكرمة   .
         وعرف أنه الوحيد الذي يشتري ويبيع الكتب فعندما ينقل أي طالب علم أو قاض أو رجل له اهتمام بالكتب إلى منطقة أخرى كأن ينتقل عمله خارج الرياض لا يحمل معه إلا ما خف وزنه من مستلزماته الشخصية فيبيع الأثاث وما لا يضطر إلى حمله ومنها الكتب, وكان حنيشل هو الوحيد تقريبا الذي يشتري ما يعرض للبيع من تلك الكتب ، هذا  وقد أكد لي الأستاذ المؤرخ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد عند مقابلته في مكتب بدار الشبل مؤخرا، من أنه يعرف (حنيشل)جيدا وحدد مكانه،  وأضاف أن باب دكانه كان مجمعاً لبعض طلبة العلم، وذكر بعض الأسماء ومنهم الشيخ سويلم بن محمد السويلم الذي يعمل مع سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي المملكة وقتها وذكر أنه كان من المداومين على الجلوس معه في أوقات فراغه,كما أن الأستاذ محمد بن عبدالعزيز القويعي ذكر أنه في نهاية السبعينات الهجرية وبعد وفاته قد عرضت مكتبته أو دكانه بشارع الشيخ (محمد بن عبدالوهاب) بدخنة للبيع وأنها قد ضمت لمحتويات المكتبة السعودية والتي كانت تقع في الزاوية الجنوبية الشرقية من مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم - قبل إزالتها - وقال القويعي أيضاً انه في إحدى مراجعاته لمعهد الإدارة العامة بالرياض قد تقابل مع شخص يعمل في المكتبة اسمه (ابن حنيشل) وأنه سأله عمن نحن بصدده فذكر انه والده, وعند اتصالي بمعهد الإدارة العامة للسؤال عنه قيل انه محال على التقاعد قبل فترة .
      ويعود تاريخ عمل المذكور في دخنة ما بين (1360 - 1380هـ) أي منذ ما يقرب من ستين عاماً, ولهذا فيعتقد أن طيب الذكر من أوائل الوراقين في الرياض .









من كلام سعد بن عبدالله الجنيدل في 3/8/1424هـ في المجلة الثقافية للجزيرة العدد 30 في حوار معه أجراه عبدالحفيظ الشمري

      عندما تعود إلى العاصمة الرياض وتسلم حمولة الطعام والكساء إلى التاجر ما الذي تفعله..؟.. هل تنصرف للعلم أم تراك تذهب في مهام أخرى..؟
      عندما أعود إلى الرياض أتردد على أهل العلم وأخالط العلماء وطلبة الكليــــات والمعاهــــد الشرعية فقد تعرفت على أدباء وشعراء من أمثال عثمان الأحمد، وحمد المنصور وحمد الحجي، وأقتني بعض الكتب من بعض الباعة ومن أبرز هؤلاء «حنيشل» وهو رجل لا شأن له بالكتـــاب والأدب إلا أنه يبيعها في سوق بين دخنة والصفاة عُرف بالجفرة.
      و«حنيشل» هذا شيخ صعب الممارسة ولا يبيع الكتاب إلا بصعوبة، فهو يحضرها من الشام ومصر والعراق ولبنان وهي ذات طابع تاريخي و فقهي.
        وما أفعله «أنا» كل أسبوع هو أن آخذ كتاباً أو كتابين وإن لم أجد عنده ما أريد أذهب إلى مكتبة البابطين في سوق «الزل» ومطابع «النصر» لابن سليم وأستعير ما أحتاجه من بعض طلبة كلية الشريعة وأصول الدين وبعض الذين يسافرون لطلب العلم في بعض البلاد ولاسيما العـــــراق


لقاء مع سعد بن عبدالله الجنيدل المؤرخ والجغرافي المعروف ليلة الأحد الموافق 26/1/1427هـ في منزله بحي السويدي

       يقول حفظه الله : لم يكن لدى حنيشل أحد يساعده وإذا طلبت منه الكتاب ذهب ليحضره ونفض عنه الغبار ويمسحه بكمه ثم يأخذ في مدح هذا الكتاب حتى يبالغ في سعره ، حضرت مرة وكنت أريد تاريخ الجبرتي وهو غير متوفر وكنا نقوم بتوصية البعض لإحضار الكتب من مصر فهي لاتوجد في المملكة إلا بالمشقة وكنت طالب علم وأنا صغير السن وأبي كان تاجراً وكنت أحضر للرياض لشراء البضائع وشراء بعض الكتب لي ،  فقالوا لا تجد هذا الكتاب (تاريخ الجبرتي) إلا عند حنيشل وكان مطبوع على شبه أجزاء في مجلة الشعب المصرية قريباً من عشرة أجزاء –طبع مجلة- وموضوع في مجلد واحد ولكنه شدد عليّ في السعر وحاولت معه ولكن بدون فائدة وفي الأخير رضخت واشتريته بما يريد وأخذت منه كتبا أخرى بنفس الطريقة .


      وكان شديداً جداً ولكنه حبيب أيضاً ، يقول ابن جنيدل : لكن هل تعلم أنه نفع طلبة العلم ؟؟  فإنه لم تكن الكتب متوفرة في تلك الفترة وقد يكون هو الوحيد الذي يعمل في الوراقة في الكتب الشرعية والتاريخية في ذلك الوقت .
       كنت أجلس على عتبة الدكان –وهو يسولف -حتى آخذ الكتاب ...
       وكان يذهب ويأتي بالكتب من الدول الأخرى وينقيها ويحضرها عن خبرة ويعرف موضوع الكتاب وثمنه وطبعته وإذا طلبت منه كتاب يقوم بسرعة ويحضره من تلك الرفوف المليئة بالغبار .
     وأخذت منه كتبا كثيرة لكن لا أذكر إلا كتاب تاريخ الجبرتي لأن مبلغه كان عالياً جداً وغير متوفر ونادر جداً وكنت أريد الاطلاع عليه ولم أجده إلا عند حنيشل ، وكان يأتي بها من مصر وغيرها ويذكر أنه قد تعب عليها حتى أحضرها .
     ويذكر ابن جنيدل أنه كلما تذكر حنيشل دعى له بالمغفرة والرحمة لأنه قد وفّر لهم الكتب في حين لا تكاد توجد ...
      ويقول أيضا الظاهر أنه كان يديّن طلبة العلم ويصبر عليهم في سداد قيمة الكتب ، ويذكر أيضا أن في ذلك الوقت لم تكن الأمور كما تشاهدونها الآن ولا على ما تتخيلونها فتجد بعض البلدان والقرى أحيانا لا يوجد بها كتاب واحد إلا إذا كان إمام المسجد لديه كتاب رياض الصالحين يقرأ به بعد صلاة العصر ...انتهى.


















يقول عنه الدكتور عبدالله الرميان في جريدة الجزيرة 18/8/1424هـ :

... فان المشاهير يجدون من يكتب عنهم لكن هؤلاء الذين طواهم النسيان وأعرض عن صفحات أخبارهم الزمان يحتاجون إلى من يعرف بهم خصوصاً من تعدى نفعه من أهل العلم أو رواد الحضارة أو حملة الفكر ومشاعل النور ولو اختلط هذا النفع المتعدي بمصلحة دنيوية أو اجر مادي كما يثنى على القاضي والمعلم والمرشد وغيرهم من أصحاب الأعمال الجليلة النافعة لان سعيهم راشد وعملهم نافع رغم ما يتقاضونه من اجر مقابل عملهم وهذا الشيخ الكريم من هذه الفئة فقد كان يروج بضاعة انشغل عامة الناس عنها بالبحث عن أرزاقهم فهو ينشر بين الناس غذاء الروح وحياة القلب.
الورّاق في ذلك العصر أو صاحب المكتبة لابد أن يكون من طلاب العلم فليس هو عمل تجاري محض بل يحتاج معه إلى طلب فقد كان العلماء يستعينون بهم في معرفة الكتب وأبوابها وفصولها ومؤلفيها ومضمونها.
الورّاق في ذلك العصر يقضي معظم يومه في قراءة هذه الكتب بمختلف علومها ومكتبته المتجددة لا توجد عند أي طالب علم خصوصاً مع حاجة الناس وقلة ذات اليد


يقول عنه د. محمــد بن عبدالرحمن الربيِّع رئيــس النــادي الأدبي بالريـــــاض

           ومن المكتبات التي نالت شهرة خاصة مكتبة ( حنيشل ) في شـــــــــــــــارع ( دخنة ) وقد تميزت بوفرة الكتب الشرعية وبخاصة ( النادر منها ).وكان صاحبها الشيخ ( حنيشل بن عبدالله الحنيشل ) يستقبل فيها الكبار من العلماء أو طلاب العلم من كلية الشريعة واللغة العربية . وعندما عرفت المكتبة ابتداءً من عام (1381هـ) كنت صغير السن طالباً في ( معهد الرياض العلمي ) وكانت في طريقي اليومــــــــي وأنا ذاهـــب من منزلنا في (معكال ) إلى دكان الوالد رحمه الله في ( سوق السدرة ) مروراً بشارع (دخنه ) حيث المكتبة وكان صاحب المكتبة شيخاً كبيراً مهيباً يتعامل مع الكبار وكان ينظر إلينا على أننا صغار على الكتب التراثية وربما رأى أنه من الاحترام لتلك الكتب ألاّ نمسها أو ننظر إليها نحن الصغار ولذلك لم يكن يأبه بسؤالنا عن الكتب وربما قال : الكتاب غير موجود وربما ردّ علينا بشيء من القسوة ولم يكن ذلك عن سوء طوية أو احتقار لكنه



ظن بنا العبث وعدم الجدية في السؤال حتى جاء يوم سألته عن كتاب من كتب التراث فأراد أن يختبرني فقال وماذا تعرف عن هذا الكتاب يا ولــــــــد أو ( يا ورع )
نسيت العبارة الآن فقلت له إنه كتاب يبحث في كذا وكذا فأعجبه الجواب ولذا غيَّر لغة الخطاب معي وابتسم وابتعت منه الكتاب وربما خصم لي من سعره الزهيد ولم يعد إلى لهجته الصارمة بعد ذلك .
        وكان رحمه الله يجلب الكتب من مكة المكرمة ومن مصر والشام وربما من الهند أيضاً وكان أيضاً يشتري الكتب المستعملة لأن كثيراً من طلبة العلم في ذلك الزمان كانوا يشترون الكتب وربما احتاجوا إلى المال أو إلى شراء كتب أخرى فيبيعون ما عندهم لشراء الجديد وللشيخ حمد الجاسر رحمه الله ولأبي عبدالرحمن بن عقيل قصص كثيرة في هذا المجال .

       ومما علـــق في الذاكرة عنه أنه كان نحيفاً طويلاً يميل إلى السمرة سريعاً في كلماته حــاداً في نظراته وكان حافظاً لأسماء الكتب وتواريخ طبعها وطبعتهـــا ومع أن دكانه صغير الحجم إلاّ أن نفع مكتبته بمقياس عصره كان كبـــيراً .
                                                                                                    والله الموفق .



















جريدة الرياض الجمعة 13 شعبان 1424هـ العدد 12894 السنة 39
رحلة في مكتبة الشيخ زهير الشاويش الدمشقي أضخم مكتبة شخصية في العالم الإسلامي
راشد بن محمد بن عساكر


        أكرمني الشيخ بالاطلاع على بعض المخطوطات والمصورات وهذه عادته بدون منة، حيث يراسله كثير من الدارسين في مختلف بقاع العالم، والباحثين وطلبة الدراسات العليا، للاستفادة منه ويقدم لهم ما يحتاجونه مبتغياً الأجر من الله عزوجل أما في مكتبة الشيخ فقد شاهدت بعض ما تحويه مكتبته من المخطوطات المفيدة النادرة، وقد حرصت على تتبع بعض المخطوطات والوثائق التي لها علاقة بجهود بعض العلماء النجديين أو ما يخص تاريخ الجزيرة العربية، فوجدت الكثير، وليعلم القارئ الكريم أن هذا غيض من فيض كما يقال ولا يمكن الإلمام بجميع ما فيها - وقد أذكر ذلك في مواضيع أخرى.
ثم ذكر الأستاذ راشد نماذج من هذه المخطوطات ومنها:
  
      نسخة في صيام يوم الشك: للشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ وهي رسالة رد بها على الشيخ عثمان بن منصور. ثم سؤالات أخرى وإجابات الشيخ عبدالرحمن كالتحذير من التكفير. ورسالة لعبدالله أبا بطين وفيها اختصارات لكتب الإمام ابن القيم. ورسالة من حسن بن حسين إلى الشيخ حسن العجيري وغيره من الرسائل. وهذه النسخة بخط الشيخ والكاتب المشهور عبدالله بن عبدالرحمن الربيعي المتوفى في نهاية الستينات من القرن الماضي والذي كان كاتباً للشيخ محمد بن عبداللطيف وهذه النسخة كتب الشيخ زهير عليها (من كتب الرياض) حيث سألت الشيخ زهير عنها فقال: (انه اشتراها مع مجموعة كبيرة من الرياض من دكان في منطقة دخنة من شخص اسمه حنيشل..) وذلك في السنة الأولى لقدومه للرياض سنة 1375هـ .
   
      قلت: وحنيشل هو ممن زاول مهنة بيع الكتب فيما بعد الخمسينات الهجرية من القرن الماضي مع غيره من الوراقين في الرياض.







قال عنه الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل  رئيس مجلس القضاء الأعلى سابقا :

      حنيشل كان جاراً لي في عام 1385 هـ وقرأ عليّ كتاب الشيخ ابن معمر "مختصر نظم ابن عبدالقوي " مقابلة ويقول كان حنيشل سمحاً غير مستعجل ، طالب علم ويقول ابن عقيل أن لديه كتاب عليه تعليق بسيط عن حنيشل " أنه قرأ معه كتاب مختصر نظم ابن عبدالقوي" السابق الذكر





من كتاب تباريح التباريح لأبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري (الطبعة الأولى 1412هـ)

     يقول ابن عقيل في كتابه في الصفحة رقم 29:
     فان قال قائل :حدثنا عن الوضعية التي يكون فيها للعلم طعم ولذة؟
 قلت :لا أحصي ذلك , ولكنني أذكر بعض المظاهر : فمن ذلك أن يكون الكتاب عزيزاً إما طبعة قديمة نادرة , و إما مخطوطة لا تجتلب نسختها أو صورتها إلا بشق الأنفس فيعيش طالب العلم في شوق إلى الكتاب مابين تأزم ورجاء , ثم إذا حصّله كان مرجعاً فيه ، ومن ذلك أن يكون طالب العلم قليل ذات اليد يشتري الكتاب من قوت الرقبة , ويبذل الدّين فيه .
         يقول ابن عقيل حفظه الله وأذكر أنني اشتريت من حنيشل رحمه الله مدونة الإمام مالك أربعة أجزاء وبهامشها مقدمات ابن رشد بخمسين ريالا وثلاث مائة ريال وكان ذلك يساوي راتب شهرين وأنا طالب بالمعهد العلمي , وكانت القيمة الشرائية لهذا المبلغ تعدل يومها القيمة الشرائية الآن لخمسه وثلاثين ألف ريال.







من كلام فضيلة الشيخ زهير الشاويش المحقق والمؤلف المعروف وصاحب المكتب الإسلامي للنشر في رسالة بعث بها إلينا بتاريخ 28/شوال/1426هـ

       يقول حفظه الله : والعجيب أنني تملكت عدداً من كتب السادة الحنابلة ، وفيها بعض كتب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ، والشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب –رحمهم الله- ، وأكثر ذلك من مكتبة كانت في الرياض لصاحبها الشيخ حنيشل بن عبدالله الخالدي ، في منطقة دخنة قرب الجامع الكبير سنة 1376هـ - 1956م ، وهي أول مكتبة رأيتها في الرياض .انتهى



جريدة الرياض العدد 11532 يوم الخميس 13 شوال 1420هـ الموافق 20 يناير 2000م صفحة عاصمة الثقافة العربية (دكان (حنيشل) في دخنة بداية الوراقة في الرياض)

     ... وقد ورد من بعض من شاهدوه أي حنيشل أن باب دكانه كان مجمعاً لبعض طلبة العلم وذكر أنه في نهاية السبعينيات الهجرية وبعد وفاة حنيشل عرضت مكتبته أو دكانه بشارع الشيخ (محمد بن عبد الوهاب)بدخنة للبيع وأنها قد ضمت إلى محتويات المكتبة السعودية التي كانت تقع في الزاوية الجنوبية الشرقية من مسجد الشيخ "محمد بن إبراهيم " قبل إزالتها ويعود تاريخ عمل "حنيشل " في دخنه إلى مابين (1360ـ1380هـ ) أي منذ ما يقارب  من ستين عاماً ولهذا يعتقد أنه  كان من أوائل  الوراقين في الرياض .








جيرانه:

      كان له جيران في العمل منهم الفريان والريس وجيرانه في السكن الضبيعي والصقعبي والحوتان والبرجس والوايلي والنمي والدبيخي وكان السكن في دخنه "الشرقية" ثم معكال

طرائف :

مع الوالد عبدالله :

يقول الوالد عبدالله أذكر مرة أنه وصلت كتب للوالد حنيشل بصناديق خشب و الجمارك فتحت هذه الصناديق لمعاينتها وكنت أنا أتابع المعاملة فطلب المعاين نسخة من الكتب "من الصندوق" لعرضها على وزارة الإعلام لإجازتها فأعطيته أحد الكتب _ولم أعلم أنني أعطيته جزء من كتاب كامل- وتركته عنده وقفلت راجعاً إلى الرياض وبعد وصولي للرياض وبعد خمسة أشهر تقريباً ذكر لي الوالد حنيشل أن النسخة الفلانية ناقصة كتاب .. أين هو ؟ فتذكرت وقلت له أنني أعطيته لموظف الجمارك وتركته عنده فقال : هداك الله لقد أفسدت علينا نسخة كاملة !!


تقول العمة منيرة :

       كان حنيشل رحمه الله يقرأ القرآن كثيراً حتى في الطريق وذات مرة طرق الباب وهو يقرأ القرآن فقالت إحداهن -وهي لاتعرفه- :  الشحّاذ بالباب !! (حسبته شحّاذاً)







مع الكويتين :

      يذكر الوالد عبدالله حفظه الله أنه ذات مرة طلب منه بعض أصدقائه في الكويت منهم الوزّان أن يغيّر اسمه فقال لا بأس أغيرالاسم إلى صالح فقالوا إذن تقوم بذبح خروف وتعزمنا عليه حتى يثبت اسمك الجديد يقول حنيشل فذبحت لهم خروفاً ودعوتهم عليه فلما انتهوا من الأكل قالوا أنعـــــــــم الله عليــــــــــــــك يا حنيشل ...!!!


قصته مع الشيخ عبدالله الخلف :

         في إحدى رحلاته للكويت وبعد وصوله للكويت قابل شيخه عبدالله بن خلف الدحيان ولما رآه من بعيد رحّب به وقال الأمان يا أبا عبدالله (الشيخ يشير إلى مدلول اسم حنيشل) فرد عليه : لك الأمان ياشيخ عبدالله إلا على (مرقوقة) أم محمد ...


قصته مع بائع المشلح :

         كان رحمه الله معروفا عند جميع من يعاشره بالدعابة وحسن الطرافة وكان يسمي بناته تفاؤلا بأسماء الذكور .. سليمان ومحمد وكان هذا معروف عند جيرانه ومعارفه ، وفي أحد المرات جاء رجل ليبيع مشلحاً في السوق فلما رآه أحد الباعة قال لذلك الرجل هذا المشلح يناسب حنيشل لابنه سليمان فقال أين هو فوصف له دكانه فذهب الرجل من ساعته لحنيشل وعرض عليه المشلح وقال : يقولون أنه يناسب ابنك سليمان فضحك وقال يا أخي هذا سليمان التقليد ...










قصته مع عبدالعزيز الصالح الرشودي :

يقول عبدالعزيز : كان هناك مناسبة عند العم عبدالرحمن جمع فيها عائلة الحنيشل في بيت الحنيشل في شارع السبالة فحضرت أنا وأبي حنيشل قبل بقية الضيوف فقال لي انتبه إذا اجتمع الضيوف ودرت بالقهوة عليهم فلا تقل خذ يا أبي ولكن قل خذ يا أخي (تراك ملقوف) ، فلما اجتمع الضيوف ودرت بالقهوة عليهم فلما وصلت إليه ناولته فنجال القهوة وقلت له خذ ياجدي بصوت عال فلمّ رأسه بيديه وأصبح يولول ويقول حسبي الله عليك ...



قصته مع الوالد عبدالله الحنيشل ( أبو فهد) حفظه الله :

      أرسله أبوه حنيشل ليشتري الخبز من خبّاز في غربيّ المقيبرة فذهب إليه وانتظر طويلاً لكن لم يحالفه الحظ بأخذ خبزه فرجع إلى البيت وقال رفض الخباز  أن يعطيني الخبز فقال اذهب إليه وقل له أنا ابن أبو عبدالله ... يقول فعدت للخبّاز وقلت له ذلك فضحك وأعطاني الخبز .



قصة بعد رجوعه من الكويت :

       عندما عاد حنيشل من الكويت جاءه أحد أصدقاءه وسلم عليه وحمّده السلامة ثم انصرف فلما علم أن حنيشل كان رجوعه ذلك من "الكويت" عاد إليه مرة أخرى وطرق عليه الباب وقال أرجع لي سلامي ... فقال هو مرجوع عليك .











وفاته :

        توفي رحمه الله في الرياض في شعبان عام 1389 هـ وله من العمر ستة وسبعون عاماً وكان أبناؤه وزوجته وقت وفاته في مدينة طريف شمال المملكة ولم يحضروا جنازته .

         في أحد الأيام حضر حنيشل من السوق قبل صلاة الظهر يشتكي من شدة الألم وعندما جلس للغداء قال لأحد بناته لا أشتهي الغداء أعطوني علاجي تقول فأعطيته قطعة كيك ثم أعطيته علاجه ثم تمدد على وسط البيت وكان جسمه حاراً فقلت له أدخل بالديوانية -وكانت فيها كتبه- فدخل معه كأس ماء وبعد المغرب دخلت عليه وإذا هو ساقط على الكتب فناديت زوجته ثم عضدنا له حتى نضعه في الفراش ثم استدعينا الطبيب فعندما كشف عليه قال لا أعالجه ... يشير لشدة المرض ، فحاولنا فيه لكنه أصر أن يذهب به للشميسي فقلت للوالد حنيشل ما رأيك فقال افعلوا ما شئتم ، وكنت أشم منه رائحة الموت ثم ذهبنا به إلى الشميسي المغرب وفي الصباح ذهب له عبدالعزيز الرشودي -ابن بنته -بالقهوة والشاي فقال أحضر لي ثياب ومصلى ومن الغد ذهب له وقت الظهر فلم يجد أحداً على السرير ولم يجد إلا شخص يرتب السرير فقال له أين صاحب هذا السرير فقال تجده بالثلاجة فانبهر ونزل ، فواجه بصالة المستشفى عبدالله المجيدل رحمه الله فقال له مابك فقال أبي حنيشل في الثلاجة فضمه وأخذ منه الأغراض ووضعها في البخشة (الحديقة) حتى هدأ.

    وقد توفي في الساعة التاسعة ليلاً ثم أخذوه بعد الظهر من الغد وذهبوا به إلى منزل العم عبدالرحمن رحمه الله ليغسلوه ثم دفن في مقبرة العود وبعد دفنه أبرقوا لأبنائه في طريف شمال المملكة لإخبارهم فحضر عبدالعزيز قبل عبدالله فذهل ولم يتمالك نفسه من البكاء ويقول الوالد عبدالله حفظه الله أن حنيشل رحمه الله كان قد جهّز (نصيلة) علامة توضع على القبر لأخيه عبدالعزيز فإنه توفي قريباً لكنه توفي قبل أن يضعها على قبر أخيه فأخذها أبناء حنيشل ووضعوها على قبر أبيهم حنيشل رحمه الله رحمة واسعة وغفر له وجعله من أهل الفردوس الأعلى ووالديه وذريته والمسلمين أجمعين .



خاتمة :

        أسأل الله العظيم أن أكون قد وفقت في كتابة ترجمة ولو بسيطة لهذا العلم الذي كاد أن ينساه التاريخ ، ففي سير مثل هؤلاء الرّجال قدوة للعمل لهذا الدين والرّقي بمستوى هذه الأمة التي نسأل الله الكريم أن ينصرها على أعدائها وأن يجعلها قائدة رائدة برجالها وشبابها اللذين هم عمادها .

      وفق الله الجميع لما يحب ويرضى والله تعالى أعلى وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق